الموسيقى في العصر الجاهلي


يتفق علماء المؤرخين على أن الرعيل الأول من العرب المهاجرين من بلاد العرب الجنوبية بدأ يتحرك حوالي القرن الثاني الميلادي لذا بدأت الموسيقى العربية تزدهر وتنمو في مناطق ثلاث هي سوريا والعراق وغرب الجزيرة العربية وكانت سوريا في ذلك الوقت تحتفظ بالكثير من طابع الثقافة السامية كما كانت غسان مركزا له أهمية في الموسيقى العربية وكان العراق غارقا في خضم الثقافة السامية وفي غرب الجزيرة العربية برز النشاط الموسيقي في مركزين هامين هما الحجاز ومكة وكانت سوق عكاظ ميدانا رحبا يتبارى فيه الموسيقيون والمغنون والشعراء ويقدمون أروع ما تجود به قرائحهم أما مكة فقد كانت مركزا عقائديا تقام فيها الشعائر الدينية وكان الحجاج يفدون إليها وهم يغنون غناء فطريا سمي بالتلبية والتهليل ولم يستخدم العرب الموسيقى في عباداتهم كما فعل الغرب، خصوصا أنهم قبل الإسلام لم يكن لديهم دين واحد يجمعهم لذا فإن الموسيقى الدينية قبل الإسلام تكاد تكون مهملة أما الموسيقى الدنيوية خلال تلك الفترة فقد كانت أكثر أهمية وقد لعبت المرأة دورا أساسيا في انتشار الموسيقى العربية قبل الإسلام، إذ كانت نساء القبائل يشتركن في موسيقى الأعياد العائلية أو القبلية بآلاتهن وقد استمرت تلك العادات حتى عصر النبي محمد الذي احتفل بزواجه من خديجة بالأفراح والموسيقى والرقص
وكانت هند بنت عتبة على رأس بعض النسوة اللواتي كن يخففن متاعب السفر عن قريش في أحد سنة 625 ميلادية بالأغاني ورثاء قتلى بدر بضرب الدفوف وعندما حمي وطيس المعركة كن لا يزلن يغنين ويفرحن
وتجد إلى جانب هؤلاء السيدات طبقة معروفة بالقينات أو القيان تواجدن في كل البقاع التي عاش فيها العربي، كشبه الجزيرة العربية وسوريا والعراق. وقد ظهرت القيان في قصور الملوك وفي بيوت الأثرياء ورؤساء القبائل. كما ظهرن في الحانات وفي مضارب الخيام القبلية. كان اقتناؤهن مدعاة لفخر الأعرابي حيثما وجد، وكانت أهم صناعتهن العزف والغناء. وقبيل فجر الإسلام كان عبد الله بن جدعان أحد أشراف قريش يملك قينتين تسميان جرادتي عاد.
أما الآلات الموسيقية التي انتشرت في العصر الجاهلي فأهمها آلات ضبط الوزن، وأكثرها انتشارا الصنوج والجلاجل. وهناك أيضا آلات الزمروكانت كلمة مزمار تطلق على أية آلة قصبية هوائية بشكل عام، وإن كانت تطلق على الني تحديدا
أما الآلات الوترية فيحدثنا الفارابي عن وجود الطنبور، فالفارابي المتوفي سنة 950 ميلادية يذكر أن الطنبور البغدادي أو الطنبور الميزاني المشهور في عصره كان ذا دساتين توافق دساتين الجاهلية. ويبدو أن العود كان شائعا جدا وكذلك يعرف بأسماء مختلفة مثل المزهر والكران والبربط والموتر
ومن أشهر الموسيقيين الجاهليين عرف عدي بن ربيعة شارع بني تغلب المشهور والذي لقب بالمهلهل بسبب صوته وكان علقمة بن عبدة من الشعراء الذين غنوا المعلقات. وينتسب الأعشى ميمون بن قيس لليمامة وكان يطوف بجميع أرجاء الجزيرة العربية وبيده الصنج يغني الأشعار الرائعة التي وهبته مكانة بين شعراء المعلقات، وكان يسمى صناجة العرب. ومن المؤكد أن النصر بن الحارث، سليل قصي المشهور كان من شعراء الجاهلية الموسيقيين. وتعلم النصر في بلاط الحيرة العربي العزف على الآلة الجديدة المسماة العود، الذي يبدو أنه حل محل المزهر القديم وتعلم كذلك الغناء الأكثر فنا الذي حل محل النصب الذي اشتهر بالجاهلية، وأدخل هذه الأشياء الجديدة إلى مكة